Saturday, March 3, 2012

عباس جاى


        فى وجدان أغلب الشعوب توجد دائماً صورة البطل الغائب الذى يعود عندما يشتد الظلم فينصر شعبه و يحقق العدل و يرفع الظلم، و يكون هذا الأمل هو الدافع الوحيد للشعوب للبقاء و تحمل الظلم، و قد يكون هذا البطل شخصية حقيقية مثل فريدريك بربروسا عند الألمان و الحاكم بأمر الله عند بعض الشيعة أو شخصية أسطورية مثل الملك أرثر عند الأنجليز
و قد يكون أصل هذا الشعور هو أنتظار الشعب للملك الذى ذهب ليحارب و لم يرجع بعد، أو موت الملك و المعاناة بعده فى ظل حاكم ظالم، و فى أغلب هذه القصص يكون البطل الذى مات لا يوجد دليل على موته أو غير معروف مكان قبره فلا يصدق الشعب موته ، و يرى بعض المؤرخين أن أصل هذه الصورة الوجدانية هى قصة أصحاب الكهف الذى ظلوا فى الكهف قرون و خرجوا بعد أن ظن الناس موتهم و لكن عند بحث التاريخ القديم نجد هذا البطل عند شعوب عاشت قبل قصة أصحاب الكهف بكثير
بل نجد هذا البطل فى كل الأديان السماوية متمثلاً فى المسيح الذى أنتظره اليهود ليكون ملكاً عليهم و يرفع عنهم الظلم و يعيد مكانتهم، و هو نفس المسيح الذى ينتظره المسيحيين و المسلمين ليعود فى أخر الزمان ليقضى على الظلم و ينشر العدل
تجد أن هذه الصورة هى نفس ما يشعر به الطفل الصغير الذى يتركه أبوه فى مكان يخيفه فينتظره و يشعر بالضياع دونه، إيضاً البطل هو أبو الشعوب الذى تركها و تعانى دونه فتظل منتظرة قدومه و يكون هذا الأنتظار هو الأمل الذى من أجله تحيا الشعوب و تتحمل هذا الظلم
و من أطرف القصص الذى حدثت فى مصر عن هذا الموضوع قصة "عباس جاى" التى ظل يرددها المصريون ثلاثين عاماً، فقد كان يحكم مصر منذ عام 1892م الخديوى "عباس حلمى الثانى" و كان شاب وطنى يكره الأحتلال الأنجليزى و يساند الحركة القومية بقيادة مصطفى كامل و قد ساعده فى تأسيس الحزب الوطنى –الله يسامحه بقى- و شهدت مصر فى عهده تقدماً كبيراً
ثم جاء عام 1914م و قرر الخديوى زيارة الخليفة العثمانى السلطان محمد الخامس، فركب المحروسة من الأسكندرية غير عالم إن هذا أخر عهده بمصر كما ركبها من قبله جده أسماعيل و من بعده أبن عمه فاروق، و بعد  مقابلة السلطان و عند خروجه من الباب العالى حاول شاب مصرى أغتياله فأصيب الخديوى و مكث فى الأستانة عدة أشهر ليعالج
و فى هذه الفترة أشتعلت الحرب العالمية الأولى و أعلنت أنجلترا الحماية على مصر و خلع الخديوى، الذى لم يعد لمصر ثانية و لكن المصريين لم ينسوه لأنهم أحبوه و ظلوا يهتفوا بأسمه عشرات السنين فى مظاهرات قائلين "الله حى، عباس جاى، ضرب البومبة فى رأس العمدة و هو جاى"، البومبة هنا مقصود بها القنبلة bomb و العمدة هو المعتمد البريطانى الذى يمثل سلطة الأحتلال و لأجل الأمانة الهتاف لم يذكر رأسه، و ظل هذا الهتاف 30 عاماً حتى توفى عباس حلمى عام 1944م
و لكن هذا المصريين فى أثناء هذا الوقت لم يكتفوا بأنتظار عودته بل قاموا بثورة 1919 ، و هذا ما يجب أن تفعله الشعوب عندما تواجه الظلم أن تثور لا أن تنتظر بطلاً خيالياً يأتى يقتل التنين مثل مار جرجس و يخلصها من عذابها، بل خلاص الشعوب دائماً فى أيديها...

No comments:

Post a Comment